سورة الأعراف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)}
{اهبطوا} الخطاب لآدم وحواء وإبليس. و{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} في موضع الحال، أي متعادين يعاديهما إبليس ويعاديانه {مُّسْتَقِرٌّ} استقرار، أو موضع استقرار {ومتاع إلى حِينٍ} وانتفاع بعيش إلى انقضاء آجالكم.
وعن ثابت البناني: لما أهبط آدم وحضرته الوفاة أحاطت به الملائكة، فجعلت حواء تدور حولهم، فقال لها: خلي ملائكة ربي فإنما أصابني الذي أصابني فيك، فلما توفي غسلته الملائكة بماء وسدر وتراً، وحنطته وكفنته في وتر من الثياب، وحفروا له ولحدوا، ودفنوه بسرنديب بأرض الهند، وقالوا لبنيه: هذه سنتكم بعده.


{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
جعل ما في الأرض منزلاً من السماء، لأنه قضى ثم وكتب. ومنه {وأَنَزلَ لَكُمْ مّنَ الانعام ثمانية أزواج} [الزمر: 6] والريش لباس الزينة، استعير من ريش الطير، لأنه لباسه وزينته، أي أنزلنا عليكم لباسين: لباساً يواري سوآتكم، ولباساً يزينكم؛ لأن الزينة غرض صحيح، كما قال: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}. {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} [النحل: 6] وقرأ عثمان رضي الله عنه: {ورياشاً} جمع ريش، كشعب وشعاب {وَلِبَاسُ التقوى} ولباس الورع والخشية من الله تعالى، وارتفاعه عن الابتداء وخبره إمّا الجملة التي هي {ذلك خَيْرٌ} كأنه قيل: ولباس التقوى هو خير، لأن أسماء الإشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر. وأمّا المفرد الذي هو خير وذلك صفة للمبتدأ، كأنه قيل: ولباس التقوى المشار إليه خير. ولا تخلو الإشارة من أن يراد بها تعظيم لباس التقوى، أو أن تكون إشارة إلى اللباس المواري للسوأة، لأنّ مواراة السوأة من التقوى، تفضيلاً له على لباس الزينة. وقيل: لباس التقوى خبر مبتدأ محذوف، أي وهو لباس التقوى، ثم قيل: ذلك خير. وفي قراءة عبد الله وأبيّ: {ولباس التقوى خير} وقيل: المراد بلباس التقوى: ما يلبس من الدروع والجواشن والمغافر وغيرها مما يتقى به في الحروب وقرئ: {ولباس التقوى}، بالنصب عطفاً على لباساً وريشاً {ذلك مِنْ ءايات الله} الدالة على فضله ورحمته على عباده. يعني إنزال اللباس {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} فيعرفوا عظيم النعمة فيه وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو السوآت وخصف الورق عليها، إظهاراً للمنة فيما خلق من اللباس، ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة، وإشعاراً بأنّ التستر باب عظيم من أبواب التقوى.


{يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}
{لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان} لا يمتحننكم بأن لا تدخلوا الجنة، كما محن أبويكم بأن أخرجهما منها {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} حال، أي أخرجهما نازعاً لباسهما، بأن كان سبباً في أن نزع عنهما {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ} تعليل للنهي وتحذير من فتنته، بأنه بمنزلة العدوّ المداجي يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون.
وعن مالك بن دينار: إنّ عدواً يراك ولا تراه، لشديد المؤنة إلاَّ من عصم الله {وَقَبِيلُهُ} وجنوده من الشياطين، وفيه دليل بَيِّنٌ أن الجنّ لا يرون ولا يظهرون للإنس، وأن أظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم، وأن زعم من يدّعي رؤيتهم زور ومخرقة {إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} أي خلينا بينهم وبينهم لم نكفهم عنهم حتى تولوهم وأطاعوهم فيما سولوا لهم من الكفر والمعاصي، وهذا تحذير آخر أبلغ من الأول.
فإن قلت: علام عطف وقبيله؟ قلت: على الضمير في يراكم المؤكد بهو، والضمير في إنه للشأن والحديث، وقرأ اليزيدي: {وقبيله} بالنصب وفيه وجهان: أن يعطفه على اسم إنّ، وأن تكون الواو بمعنى مع، وإذا عطفه على اسم إن وهو الضمير في إنه، كان راجعاً إلى إبليس.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9